الرحمن الرحيــــم
فهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع
خلقه سبحـــانه وتعالى
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
[البقرة: 163]
والرحمن من الأسماء الخاصة به سبحانه
ولا يجوز أن تُنسب لغيره
قال تعالى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ
أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }
[الإسراء: 110]
ورود الاسمين في القرآن الكريم
وقد ذُكر اسمه تعالى (الرحمن) في القرآن 57 مرة،
أما اسمه (الرحيـــم) فذُكر 114 مرة.
معنى الاسمين في حق الله تعالى
الرحمن والرحيـــم اسمان مشتقان من الرحمة
والرحمة في اللغة: هي الرقة والتعطُّف
و(رحمن) أشد مبالغة من (رحيـــم)
ولكن ما الفرق بينهما؟
الرحمن: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق
في الدنياوللمؤمنين في الآخرة
أي: إن رحمته عامة تشمل المؤمن
والكافر في الدنيا، وخاصة بالمؤمنين فقط في الآخرة
قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
[طه: 5]
فذكر الاستواء باسمه (الرحمن)
ليعم جميع خلقه برحمته.
الرحيـــــم: هو ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة
كما في قوله تعالى {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
[الأحزاب: 43] فخص برحمته عباده المؤمنين.
يقول ابن القيم "الرحمن دال على الصفة
القائمة به سبحانه
والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول
للوصف
والثاني للفعل. فالأول دال أن الرحمة صفته
والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته
وإذا أردت
فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}
[الأحزاب: 43]
{ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]
ولم يجيء قط رحمن بهم فعُلِم أن الرحمن:
هوالموصوف بالرحمة
ورحيم: هو الراحم برحمته"
[بدائع الفوائد (2:34)]
فالرحمنُ الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ،
والرحيمُ الراحمُ لِعِبَادِهِ
آثـــــار الإيمان بهذين الاسمين
1) إثبــــات صفة الرحمة لله ربِّ العالمين
فصفة الرحمة من صفات الله تعالى
الثابتة بالكتاب والسُّنَّة
وهي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العلى
لا يجوز لنا أن ننفيها أو نعطلها لأن ذلك
من الإلحاد في أسمائه سبحـانه وتعالى.
وقد يُلحد البعض بهذه الصفة دون أن يشعر
حينما يعترض على الابتلاءات التي تعتريه هو أو غيره
ولا يدري أن تلك الابتلاءات من رحمة الله عزَّ وجلَّ
بعبـاده عن جابر قال: قال رسول الله
"يودأهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب
لوأن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض"
[رواه الترمذي وحسنه الألباني]
فأهل البلاء أكثر احساسًا برحمة الله تعالى
لإنها سابغة عليهم
2) جلاء آثـــــار رحمة الله على الخلق
انظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة
والعامة
فبرحمته سبحانه وتعالى أرسل إلينا رسوله
وأنزل علينا كتابه وعصمنا من الجهالة،
وهدانا من الضلالة ..
وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله
ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا
ما لم نكن نعلم وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا
وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار
وبسط الأرض، وجعلها مهادا وفراشا، وقرارا
وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر،
وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها
وكذلك بين سائر أنواع الحيوان.
3) رحمة الله واسعة
يقول الله جلَّ وعلا
{..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..}
[الأعراف: 156]
وفتح الله تعالى أبـواب رحمته للتائبيــن
فقال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[الزمر: 53]
وقال رسول الله "لو يعلم المؤمن ما عند الله
من العقوبة ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر
ما عند الله من الرحمة
ما قنط من جنته أحد" [متفق عليه]
ويقول تعالى عن نبينا
{ .. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]
4) رحمة الله تغلب غضبه ..عن أبي هريرة
عن رسول الله قال
"إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه:
إن رحمتي تغلب غضبي" [رواه الترمذي
وقال الألباني: حسن صحيح]
وهذا الحديث موافق لمعنى قوله تعالى
{..كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..}
[الأنعام: 54]
فالله تعالى أوجب على نفسه ولا يوجب أحدٌ على الله.
5) لله جلَّ ثناؤه مائة رحمة ..كل رحمة منها
طباق ما بين السماء
والأرض فأنزل منها إلى الأرض رحمة
واحدة نشرها بين الخليقة
ليتراحموا بها، فبها تعطف الوالدة على ولدها،
والطير والوحش
والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه.
[مختصر الصواعق (2:124)]
فيا لعظم رحمة الله تعالى في هول هذا الموقف العصيب ..
6) نِعَم الله سبحانه وتعالى رحمة ..
وقد سمى الله سبحانه بعض نعمه بالرحمة،
كالمطر في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ .. }
[الأعراف: 57]
وسمى رزقه بالرحمة، في قوله تعالى
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28]
وسمى الله كتابه العزيز بالرحمة
فقال تعالى {..وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]
حظ المؤمن من اسمي الله الرحمن الرحيــــم
(موجبــــات الرحمة)
فالرحمة بمثابة الوقود الذي سيدفعك للعمل
والحركةفلابد أن تأخذ بتلك الأسبــاب
التي توجب الرحمة وتعتمد
على الله وحده ليوفقك للعمل الصالح
ومن موجبـــات الرحمة:
1) رحمة النــــاس
الرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحـانه
عباده على التخلُّق بها ومدح بها أشرف رسله
فقال جلَّ وعلا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ
مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
ومن أسمائه : "نبي الرحمة"
[حسنه الألباني
مختصر الشمائل (316)]
ومدح النبي أفضل أصحابه من بعده بهذه الصفة،
فقال "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر .."
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
فكأن من يتصف بالرحمة ينال درجة الصديقين،
وهي أعلى الدرجـــات عند الله تعالى.
وبيَّن أن الرحمة تنــال عبــاده الرحمــاء
كما قال "فإنما يرحم الله من عباده الرحماء"
[متفق عليه] ..
2) القرآن ..قال تعالى
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]
فقراءة القرآن رحمة، وتدبُّر القرآن رحمة،
وكل تعلَّقٌ للمؤمن بكتـــاب الله جلَّ وعلا مستوجبٌ لنزول الرحمة.
3) صلاة أربع ركعــات قبل العصر
قال رسول الله "رَحِم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا"
[رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني]
وهي ليست من السُنن المؤكدة، لكن تُستنزل بها الرحمــات.
4) عيـــادة المرضى عن جابر قال: قال رسول الله
"من عاد مريضًا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس،
فإذا جلس اغتمس فيها"
[رواه مالك وأحمد وصححه الألباني]
5) طاعة الله ورسوله
فهي من أعظم أسبــاب الرحمة
وكلما كان العبد أطوَّع لله، كان أكثر استحقاقًا لاستنزال الرحمة به
قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[آل عمران: 132]
6) الإحســـان فالإحســـان يبدأ من الإتقان وتجويد العمل
ويصل إلى المنزلة العظمى من منازل الإيمان وهي:
أن تعبد الله كإنك تراه .. كما جاء في حديث جبريل
حينما سأل النبي عن الإحسان، فقال "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
[رواه مسلم]
وهذه المنزلة العظمى تقتضي
مراقبة الله جلَّ وعلا في السر والعلن.
كيف ندعو الله باسميه الرحمن الرحيم؟
1) اثن على الله عزَّ وجلَّ في كل حالك وأكثِر منه
بين الخلائـــق .. فتتحدث بنعمته ورحمته عليــك
وتقول: يـــا لرحمة الله.
وافرح برحمة الله تعالى إذا تنزلت عليك
قال تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
[يونس: 58]
2) أن يُكثر العبد من سؤال ربِّه الرحمة
فيقول: اللهم ارحمني، اللهم ارحمني.
فإذا دعوت الله، فاعزم في الدعــاء ولا تتردد
قال رسول الله "إذا دعا أحدكم فلا يقل
اللهم اغفر لي إن شئت
ارحمني إن شئت .. ارزقني إن شئت،
وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء ولا مكره له"
[رواه البخاري]
اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
المصادر:
سلسلة (شرح الأسماء والصفات)
لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى)
لفضيلة الشيخ محمد حمود النجدي.
[1] إغاثة اللهفان (2:254).
0 التعليقات:
إرسال تعليق